کد مطلب:280397 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:287

نظرات علی المسیرة
لقد انطلقت المسیرة تحت سقف الامتحان والابتلاء، تحیط بهم حجة موسی علیه السلام فی عهد خیمة الاجتماع وحجة داوود وسلیمان فی عهد الهیكل، ولقد أخبر الله تعالی فی كتابه أن موسی علیه السلام قد أحاطهم علما. بأن استخلافهم فی الأرض من أنواع الامتحان بالملك، قال تعالی: (قال موسی لقومه استعینوا بالله واصبروا إن الأرض لله یورثها من یشاء من عباده والعاقبة للمتقین. قالوا أوذینا من قبل أن تأتینا ومن بعد ما جئتنا. قال عسی ربكم أن یهلك عدوكم ویستخلفكم فی الأرض فینظر كیف تعملون) [1] وشهد العهد القدیم بأن



[ صفحه 78]



مسیرة الشعب لم تسیر علی هدی الأنبیاء. ولم تفتح للفطرة الإنسانیة بابا وصدت عن سبیل الله. وانطلقت بزاد ووقود مرابط العجول والتیوس التی انتشرت عبادتها فی مصر علی امتداد العصور الفرعونیة، ولقد ذكر القرآن الكریم أنهم بعد خروجهم من مصر عبدوا العجل فی زمن موسی علیه السلام، وتوعد الله تعالی الذین أشربوا فی قلوبهم حب العجل بغضب الله والذلة فی الدنیا، ومن لطفه تعالی بالمسیرة وهی فی مهدها أمرهم سبحانه بأن یذبحوا بقرة. لیعلموا أن الله هو الذی یحیی ویمیت، فذبحوها وما كادوا یفعلون، وظل فقه كهنة البقر یدفع مسیرة الانحراف حتی صارت عبادة البقر والتیوس عبادة رسمیة. الخارج عنها خارج عن الشرعیة فی مملكة إسرائیل ومملكة یهوذا، وتحت هذا الفقه جری القتال علی الملك. وذكر العهد القدیم: أن ملك إسرائیل قتل من یهوذا مائة وعشرین ألفا فی یوم واحد، وسبی بنو إسرائیل من إخوتهم مئتی ألف من نساء وبنین وبنات، ونهبوا أیضا من غنیمة وافرة وأتوا بالغنیمة إلی السامرة. [2] وذكر القرآن الكریم أن الله تعالی أخذ علیهم المیثاق بأن لا یفعلوا ذلك. قال تعالی: (وإذ أخذنا میثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دیاركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فریقا منكم من دیارهم تظاهرون علیهم بالإثم والعدوان. وإن یأتوكم أساری تفادوهم وهو محرم علیكم إخراجهم..). [3] .

وذكر العهد القدیم أن فقه كهنة البعل والقتال علی الملك. أنتج فی نهایة المطاف أنماطا بشریة لا یمكن بحال أن تقود مسیرة فی إتجاه الفطرة، وفی هذا یقول أشعیا ألان أیدیكم تنجست بالدم، وأصابعكم



[ صفحه 79]



بالإثم، وشفاهكم تكلمت بالكذب، ولسانكم یلهج بالشر، لیس من یدعو بالعدل ولیس من یحاكم بالحق [4] وقال رؤساؤك متمردون ولقضاء اللصوص، كل واحد منهم یحب الرشوة ویتبع العطایا، لا یقضون للیتیم. ودعوی الأرملة لا تصل إلیهم [5] وقال تكلمنا بالظلم والمعصیة، حبلنا ولهجنا من القلب بكلام الكذب، وقد ارتد الحق إلی الوراء والعدل یقف بعیدا. لأن الصدق سقط فی الشارع والاستقامة لا تستطیع الدخول [6] وقال قد حبلوا بتعب وولدوا أثما، فقسوا بیض أفعی ونسجوا خیوط العنكبوت الأكل من بیضهم یموت. والتی تكسر تخرج أفعی، خیوطهم لا تصیر ثوبا، ولا یكتسبون بأعمالهم، أعمالهم أعمال إثم، وفعل الظلم فی أیدیهم، أرجلهم إلی الشر تجری وتسرع إلی سفك الدم الزكی، أفكارهم أفكار إثم، فی طرقهم اغتصاب وسحق وطریق السلام لم یعرفوه، ولیس فی مسالكهم عدل، جعلوا لأنفسهم سبلا معوجة وكل من یسیر فیها لا یعرف سلاما. [7] .

لقد قال أشعیا أن رؤساء الشعب فیهم لصوص یحبون الرشوة ویتبعون العطایا. وقال تعالی فی كتابه (إن كثیرا من الأحبار والرهبان لیأكلون أموال الناس بالباطل) [8] وقال أشعیا أن الشعب تكلم بالظلم والمعصیة والكذب. وبأن أیدیهم تنجست بالدماء وأصابعهم بالإثم.

وقال الله تعالی فی كتابه: (وتری كثیرا منهم یسارعون فی الإثم والعدوان) [9] وقال أشعیا أن بیضهم بیض أفعی الأكل منه یموت والتی



[ صفحه 80]



تكسر تخرج أفعی. وقال تعالی فی كتابه: (لتجدن أشد الناس عداوة للذین آمنوا الیهود والذین أشركوا) [10] وقال أشعیا إن أرجلهم إلی الشر تجری وتسرع إلی سفك الدم الزكی. وقال تعالی فی كتابه: (یسعون فی الأرض فسادا والله لا یحب المفسدین) [11] وقال أشعیا أن فی طرقهم اغتصاب وسحق وطریق السلام لم یعرفوه. وقال تعالی فی كتابه:

(ولتسمعن من الذین أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذین أشركوا أذی كثیرا) [12] وقال أشعیا إنهم جعلوا لأنفسهم سبلا معوجة وكل من یسیر فیها لا یعرف سلاما. وذكر تعالی فی كتابه حركة الذین كفروا من أهل الكتاب. فقال: (ما یود الذین كفروا من أهل الكتاب ولا المشركین أن ینزل علیكم من خیر من ربكم) [13] وقال (ود كثیر من أهل الكتاب لو یردونكم من بعد إیمانكم كفارا) [14] وقال (ودت طائفة من أهل الكتاب لو یضلونكم) [15] إلی آخر هذه الآیات التی تكشف مناهج سبلهم فی الصد عن سبیل الله.

فالمسیرة لم تنتج هدی وإنما ظلاما. ولم تنتج خبزا وإنما دما.

لهذا قال أشعیا نلتمس الحائط كعمی. وكالذی بلا أعین نتجسس. قد عثرنا فی الظهر كما فی العتمة [16] وقال كیف صارت القریة الآمنة زانیة.. كان العدل یبیت فیها. وأما الآن فالقاتلون [17] لهذا وقعوا تحت العقاب الإلهی، بما قدمت أیدیهم. قال تعالی: (إن الذین كفروا



[ صفحه 81]



وصدوا عن سبیل الله قد ضلوا ضلالا بعیدا، إن الذین كفروا وظلموا لم یكن الله لیغفر لهم ولا لیهدیهم طریقا إلا طریق جهنم خالدین فیها أبدا وكان ذلك علی الله یسیرا) [18] فالعقاب كان نتیجة لمقدمة. سلكوا فیها سبل الضلال بعد أن بین لهم الأنبیاء والرسل والهدف الذی من أجله خلقهم الله. وبینوا الإمكانیات الإنسانیة والإمكانیات التی فی الكون التی تسمح لتحقیق هذا الهدف، ودعم الأنبیاء والرسل أقوالهم بالحجة والمعجزة لیكون لكلامهم مشروعیة القبول من أقوامهم ومن العصر، ثم بینوا لهم أصلح وأنضج العناصر التی ینبغی أن تكون فی ذروة المسیرة لقیادة الناس نحو الهدف، ولكن المسیرة الإسرائیلیة ضلت الطریق. لأن سلوكها كان استجابة لحاجة معینة صرخت بها بعض الغرائز التی تصنمت أمام لافتات التزیین والإغواء والإلقاءات الشیطانیة، وتحت إلحاح هذه الحاجة نظمت المسیرة عملیات الدوافع والانفعالات والإدراك والمعرفة، فكان تغییر الاتجاه من النور إلی الظلام، وتغییر الاتجاه یبدأ حین یبدأ إما بالانقلاب علی معالم اتجاه النور وإما بإضافة معلومات تحط من شأنه وتجعل الناس ینفضون من حوله، ولقد ترتب علی تغییر الاتجاه الفطری أن المسیرة لم تنتج إلا ظلاما ودما كما ذكر أشعیا، ولهذا ضربها عذاب الذلة والمسكنة والاستدراج لتركیب طریق جهنم كما ذكر القرآن، ویخطئ من یظن أن المسیرة من بعد الأنبیاء قد قدمت زادا فطریا، أو قاتلت وفقا لتعالیم الأنبیاء، ولقد تبینا من خلال سردنا لحركة المملكتین إسرائیل ویهوذا أن القتال لم یكن إلا علی الملك، وأن ما تاجر به الخلف فیما بعد بأن القتال كان من أجل أرض المیعاد أو لإقامة مملكة داوود، أو للمحافظة علی نقاء الدم الیهودی.

فكل هذا وغیره. لا وجود له إلا علی موائد التبریر والترقیع والتماس



[ صفحه 82]



الأعذار وتغلیب الأهواء.

فالمسیرة خرجت علی تعالیم داوود ومزقت دولة سلیمان، وقدمت كنوز الهیكل إما هدیة وإما جزیة للحفاظ علی الملك، وأقامت داخل الهیكل أصنام الأمم. وفی نهایة المطاف أغلقوه، یقول العهد القدیم وجمع أحاز آنیة بیت الله، وقطع آنیة بیت الله، وأغلق أبواب بیت الله، وعمل لنفسه مذابح فی كل زاویة فی أورشالیم وفی كل مدینة من یهوذا. وعمل مرتفعات للایقاد للآلهة الأخری. [19] .

وبتدبر انطلاقة المسیرة تحت سقف الامتحان والابتلاء، وبالوقوف أمام انحرافهم فی اتجاه العجول، وما ترتب علیه من دق أوتاد الضلال فی طریق التقدم البشری لتتعثر القافلة فی طریق الاختیار، نجد أن الشباك التی صنعها الذین كفروا من بنی إسرائیل لیقع فیها الناس، قد وقع فیها الذین كفروا وهم لا یشعرون قبل أن یقع الناس، فالقوم صنعوا الفتن أولا فقادتهم الفتن إلی فتنة الدجال، والطریق إلی الدجال لا یحمل إلا معالم الذلة والمسكنة وغضب الله، فتحت هذا السقف یسیر الذین صنعوا الفتن وصدوا عن سبیل الله. بعد أن ضلوا ضلالا بعیدا وكفروا وظلموا، لأن الله تعالی أوجب علی نفسه أن لا یهدیهم طریقا إلا طریق جهنم خالدین فیها.

وطریق الذلة والمسكنة له معالم فی العهد القدیم وبینة القرآن الكریم، وما كانت آشور وبابل أول الزمان إلا بدایة لهذا الطریق، بعد أن تعمقت المسیرة فی الضلال ولم یكن تقدمها إلا إلی الخلف، یقول العهد القدیم بعد سقوط مملكة إسرائیل فی ید آشور لم یبق إلا سبط یهوذا وحده. ویهوذا أیضا لم یحفظوا وصایا الرب إلههم. بل سلكوا فی فرائض إسرائیل التی عملوها. فرذل الله كل نسل إسرائیل



[ صفحه 83]



وأذلهم [20] فالمسیرة تحت سقف الذلة، وبدایة هذا السقف تبدأ من عند الذین عبدوا العجل أیام موسی وهارون علیهما السلام، وقال فیهم تعالی: (إن الذین اتخذوا العجل سینالهم غضب من ربهم وذلة فی الحیاة الدنیا وكذلك نجزی المفترین). [21] فالجزاء یقف تحت سقفه الذین اتخذوا العجل عند المقدمة، ثم المفترین الذین ساروا علی طریقهم، ویقف تحته قتلة الأنبیاء. وقال تعالی فی الذین كفروا من بنی إسرائیل (وضربت علیهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا یكفرون بآیات الله ویقتلون النبیین بغیر حق ذلك بما عصوا وكانوا یعتدون). [22] .

قال فی المیزان: الذلة مضروبة علیهم كضرب السكة علی الفلز، أو كضرب الخیمة علی الإنسان، فهم مكتوب علیهم أو مسلط علیهم الذلة، قال تعالی فی آیة أخری (ضربت علیهم الذلة أین ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤا بغضب من الله وضربت علیهم المسكنة) [23] وقد كرر الله تعالی لفظ الحبل بالإضافة إلی الله وإلی الناس لاختلاف المعنی بالإضافة، فإنه من الله القضاء والحكم تكوینا أو تشریعا، ومن الناس البناء والعمل. والمراد بضرب الذلة علیهم القضاء التشریعی بذلتهم، والدلیل علی ذلك فوله تعالی: (أینما ثقفوا).

وظاهر المعنی: أینما وجدهم الناس تسلطوا علیهم، والذلة التشریعیة من آثارها الجزیة إذا تسلط علیهم المؤمنون، ومعنی قوله تعالی: (وباؤا بغضب من الله وضربت علیهم المسكنة) باؤا: أی اتخذوا مباة ومكانا والمسكنة: أشد الفقر. والظاهر أن المسكنة: أن لا یجد الإنسان سبیلا. [24] .



[ صفحه 84]



إلی النجاة والخلاص مما یهدده من فقر وغیره. [25] ومن معالم الذلة بعث البعوث علیهم ویشهد بذلك قوله تعالی: (وإذ تأذن ربك لیبعثن علیهم إلی یوم القیامة من یومهم سوء العذاب. إن ربك لسریع العقاب وإنه لغفور رحیم). [26] قال فی المیزان: والمعنی: لیبعثن علی هؤلاء الظالمین بعثا یدوم علیهم ما دامت الدنیا من یذیقهم ویولیهم سوء العذاب، وهو تعالی غفور رحیم بعباده، لكنه إذا قضی لبعض عباده بالعقاب لاستیجابهم ذلك بطغیان وعتو ونحو ذلك، فسرعان ما یتبعهم إذ لا مانع یمنع عنه ولا عائق یعوقه. وآشور وبابل أول الزمان صورة تحمل معالم هذا العقاب وهذا الغضب.

لقد وقعوا تحت العقاب نتیجة لمقدمات قدموها وسار علیها الذین من خلفهم، وهذا العقاب له محطة فی آخر الزمان یرفع أعلامها المسیح الدجال. وهو الفتنة الكبری التی من أجلها صنعت جمیع الفتن صغیرة أو كبیرة منذ كانت الدنیا، فالذین سقطوا أول الزمان یحمل بصماتهم الذین سیسقطون آخر الزمان، والله تعالی أعز وأمنع من أنه یظلم أو أن ینسب إلی نفسه الظلم.



[ صفحه 85]




[1] سورة الأعراف آية 129.

[2] أخبار الأيام الثاني 28 / 6 - 9.

[3] سورة البقرة آية 84.

[4] أشعيا 59 / 3 - 4.

[5] المصدر السابق 1 / 22.

[6] المصدر السابق 59 / 14.

[7] المصدر السابق 59 / 5 - 8.

[8] سورة التوبة آية 34.

[9] سورة المائدة آية 62.

[10] سورة المائدة آية 82.

[11] سورة المائدة آية 64.

[12] سورة آل عمران آية 186.

[13] سورة البقرة آية 105.

[14] سورة البقرة آية 109.

[15] سورة آل عمران آية 69.

[16] أشعيا 1 / 21.

[17] المصدر السابق 59 / 10.

[18] سورة النساء 167 - 168.

[19] أخبار الأيام الثاني 28 / 6 - 9.

[20] الملوك الثاني 17 / 19.

[21] سورة الأعراف آية 152.

[22] 4 سورة البقرة آية 61.

[23] سورة آل عمران آية 112.

[24] الميزان 384 / 3.

[25] الميزان 384 / 3.

[26] سورة الأعراف آية 167.